Monday 26 September 2011

سياسة النظام السوري المجرم في مواجهة الثورة السورية

سياسة النظام السوري المجرم في مواجهة الثورة السورية
ثانيا : في التضليل الإعلامي الكاذب 

         تحدثنا في المقـال الأول من هذه السلسة ، عن أن النظام المجرم إنتهـج ، في مواجهته للثورة ، سياسة تعتمد على أربعة محاور مركبة متوازية ، تشتمل على : القمع الدموي الوحشي ، والتضليــــل الإعلامي الكاذب ، وإدعاء الإصلاحات الوهمية ، وإبداء الإستعداد للحوار مع المعارضة . وتعرضنا للمحور الأول بشكل مفصل ، وجاء الآن الدور للحديث عن المحور الثاني الذي يستخدم فيه النظام منظومته الإعلامية في أكبر حملة إفتراء وكذب وتضليل . 
         يشن النظام السوري ، ومنذ بداية الثورة ، حملة تضليل إعلامية لم يسبق لها مثيل . تفوق فيها على جهـابذة التضليل في العصر الحـديث ، كوزير الدعاية النازي " غوبلز " ومذيــع صوت العرب العرب الشهير" أحمد سعيد " ولاحقا " صحَاف " العراق ، و " موسى " ليبيا ، و " جندي " اليمـــن وأمثالهم . وقد إستخدم النظام ، في حملته هذه ، كل وسائله الإعلامية الرسمية ، المقروءة والمسموعة والمرئية . وكذلك المؤسسات الإعلامية الخاصة كقناة " الدنيا " التلفزيونية وجريدة " الوطن" وموقع " شام برس " الألكتروني . هذه المؤسسات التي تفوقت على أسيادها في الكذب والتضليل . كمـا حشد النظـام المجـرم مجموعـة من الأبواق المأجـورة المرتزقـة ، من داخل وخارج سورية ، تجاوزت في تضليلها وإهانتها للشعب السوري الحر كل حدود العقل والتصور .
        وسأعمد ، في السياق التالي ، إلى إلقــاء بعض الضـوء على هـذه الحمـلة التضليليـة الشرسـة ، وتفنيد مضمونها ، ضمن عناوين محددة ، قدر الإمكان :
1- في توصيف الثورة : تخبط النظـام كثيرا ، وتحيـَربشـدة ، ومنذ البداية ، في توصيف الثورة . ففـي الأيام الأولى كانت الثورة عبارة عن مجموعات صغيرة مندسة في صفوف المتظاهرين ، تطلق النار دون تمييز في كل إتجاه . ثم تبدل الأمر نحو إتهـام جماعات أصوليـة تكفيريـة إرهابيـة تسعى  لتفكيك سورية وإنشاء أمارات إسلامية . وتوسع الحديث لاحقا نحو مؤامرة خارجية يمولهــا ويشترك فيهــــا تيار المستقبل اللبناني ، والحكومة القطرية ، وحكومات أخرى لــدول مجاورة ، لـم يتـم ذكرها بالإسم لكن أصابع الإتهام كانت تشير إلى كل من تركيا والأردن . ولم يغفـل دهاة التضليل عن ضم " أيمـــن الظواهري " للقائمة ، فيما بعد ، وبمجرد صدور بيان عنه في تأييد الثورات العربية . كما تم توجيـــه الإتهام لكافة وسائل الإعلام العربية والعالمية بفبركتها للأخبار والصور ومقاطـع الفيديــو، للتحريض على أعمال العنف . وكان كل هذا غير كاف ، على ما يبدو ، في تبرير ما يجري على الأرض ، فبدأ النظام يتكلم ، وعلى لسان السفاح رئيسه شخصيا ، بأنه يواجه تمردا مسلحا منظما يشترك فيه ما يزيد عن ستون ألفـا من المقاتلين المزودين بأسلحة متطورة ، وسيارات الدفـع الرباعي المجهـزة بوســائط مضادة للحوامات ، وهواتف الإتصال الفضائية . وأخيرا إستقر رأي النظـام على أن سوريـة تتعرض لمؤامرة كونية( وليست عالمية فحسب ، فعلى ما يبدو إكتشفت مخابرات النظام إشتراك مخلوقات من المريخ في الثورة ) تساهم فيها أمريكا وأوربـا وإسرائيل والقاعدة ( أيضا ) جنبا إلى جنب ، بهــــدف إسقاط ذلك النظام المقاوم والممانع ، والذي يقف وحده سدا منيعا في وجه كافة الهجمات الإمبرياليـــة والإستعمارية والصليبية والصهيونية و...و.... إلخ .
2- في توصيف مطالب الثوار : في البـدء تم الإقــرار بوجود مطالب مشروعة ومحقة للمتظاهرين ، مع حصرها في المجالات الإجتماعية والهموم المعيشية . ثم ، وعلى إستحياء ، أخذ الحديث منحــــىً آخراً ، وأصبح مصرحاً بـه أن يتـم الكلام عن مطالب سياسية تستوجب إجـراء إصلاحات معينة . ثم إختفت هذه النغمة كليا ، ولم يعد هناك حديث عن مطالب مشروعة ، بإعتبار أن النظام قد قدم " سلـة إصلاحات " لامثيل لهـا تجاوزت طموحـات المتظاهرين بأشـواط ، وبالتالي فإن كل ما جرى بعــــد ذلك لا يمكن إعتباره سوى تخريب متعمد وتآمر مقصود بتحريض من الخارج .
( تعبيـر " سلة " أعجبني كثيرا  فسمحت لنفسي بإستعارتـه من أحـد جهابـذة النظــــام ، وتفسيري أن الإصلاحات كانت مائعة فتسربت من خلال شقوق السلة قبل أن تصل إلى الشعب ، لذلك لم تخلف أي أثر ، وكان الأفضل أن يستخدم النظام " طنجرة " أو " سطل " !!! )
3- في منطق أجهزة النظام الإعلامية وأبواقه المأجورة : شاب الحملـة الإعلاميــة المضللة للنظـــــام المجرم الكثير من الإرتباك والتردد والتناقض ، بالإضافة إلى الوقوع في فـخ الكذب المكشوف مرات عديدة ، فرأس النظـام نفسه لم يكن يدري كيف يتصرف ، وكان يتأرجح يمينا ويسارا ، وخلفــه تلهث الأبواق المأجورة محاولـة رتق ما إنفتق وترقيع ما إنكشف . وكثيرا مـا تنـاقض البـوق مع اقرانــــه ، وحتى مع نفسه بين تصريح وآخر ، ويبدو أن أعوان النظام لم يسمعوا بالمثل المعروف : " إذا كنــت كذوبا فكن ذكورا  " وهناك الكثير من الأمثلة على إرتباك إعلام النظام المجرم ، يحتاج إيرادهــا إلى صفحات عديدة ، سأكتفي بإثنين  منها . فعندما تصاعدت عمليات القتل في الأسابيع الأولى ، سارعت الأبواق إلى تكرار مقولـة أن الرئيس أصدر أمرا قاطعــا بمنـع إستخدام الرصاص الحيَ في إستهداف المتظاهرين . لكنهم ما لبثوا أن تلقوا توبيخات شديدة على ذلك من رؤسائهم ، لأن ذلك يعني ، ضمنيا أنه كان هناك إطلاق فعلي لرصاص حي ، الأمر الذي كان النظام ، ولا يزال ، يسعى إلى إنكاره كليا
معتقدا بغباء أن الشعب السوري ساذج إلى إلى تلك الدرجـة التي يصدق فيها أضاليل النظام ، ويكذب
عينيه وسمعه ، وتسري عليه خدعـة العصابات المسلحة الشبحية التي قتلت الآلاف من الشهداء ، ولا توجـــد إلا في مخيلة أبواق النظام المأجورة . وعندما عقد ما دعي باللقاء التشاوري للحوار الوطني ، يومي 10 ، 11 تموز الماضي ، بإشراف نائب المجرم رئيس النظـام الدميـة " فاروق الشرع " هللت وسائــل إعـلام النظـام لهـذا الحدث التـاريخي ، وإعتبرته إنجــازا غير مسبوق  ، لكنهـــا ما لبثت  أن زُجرت  وُقمعت ، بعد أن تسربت تصريحـــات ناريـة لبعض الوحوش من رؤساء الأجهــزة الأمنيــة يصفون فيها ذلك الحدث ب " اللقاء التآمري " .
4- نماذج من أكاذيب النظام المجرم : لا يمكن لعقل إنسان سوي، ولا حتى لمخيلته ، أن تتصور مدى التضليل الذي مارسه النظام وزعرانه من الأبواق المأجورة . والأسوأ من ذلك الإهانات التي وُجهت للشعب السوري الحر . مما يعكس بدقة الطريقة السافلة التي ينظر بها النظام إلى مفهوم المواطنة :
  - وصف المتظاهرين بأنهم حثالة الشعب السوري . لكن العالم كله يعرف من هم الحثالة الحقيقية .
- التقليل من حجم المظاهرات ، والإدعاء بأن أعدادهم لا تزيد عن العشرات ، وأحيانا المئات . أمــــا   صور التجمعات النصف مليونية  فهي مجرد أخيولة في عقول أعداء النظام .
- عدم الإقرار بالأعداد الحقيقية للشهداء ، والإصرار على أرقام مخفضـة في أوساط الشعب الثائــر ،   ومبالغ فيها جدا بالنسبة لأجهزة الأمن والقـوات المسلحة . ولا تزال البيانات الرسمية تتحـدث عـــن   سقوط 1500 قتيل أكثر من نصفهم في صفوف النظام المجرم . لكن منظمة العفو الدولية ، المشهود   لها بالمصداقية  العالية ، تتحدث عن ما يزيد عن 2800 شهيد . علما بأن تلك المنظمة لا توثق مقتل   أي إنسان ما لم تتـأكد من حقيقـة شخصيتـه أولا ، وهذا يتطلب حصولهــا على شهــادة ميـلاده ، ثم   معرفة ظروف ومكان مقتله ودفنه ، والحصول على وثيقة وفاته الرسمية . وهذا يفسر كون أرقامها   توازي نصف العدد الفعلي لشهداء الثورة الأبرار .
- إستخدام مقاطع مصورة سابقــا من الأرشيف ، لأماكن مميزة ومعروفة جيدا كالساحــات والشوارع   والمساجد ، وعرضها على شاشة التلفزيون بإدعاء أنها صور مباشرة ، لدحض إعلام الثورة .
- تفسير حملات المداهمة الوحشية للمدن بأنها تمت بناء على مناشدة الأهالي للجيش للقدوم لإنقاذهـم   وتخليصهم من إرهاب وترويع العصابات المسلحة .
- إنكار عمليات إطلاق النار على المتظاهرين كليا  ، وكذلك قصف المباني والمساجد والمنشئــــات ،    ودهس  السيارت المملوكـة  للمواطنين بجنازير الدبابات ، وتخريب الممتلكات الشخصية وغـــــير    ذلك من الأعمال البربرية . وأن كل ما شاهده العــالم من جـرائم موثقــة بالصوت والصورة ماهـي   إلا أفلام مفبركة . وقد ساهم الغبي رئيس النظـام بنفســه في حملـة التضليل هــذه بإعتباره خبيــــرا   عسكريا لا يشق له غبارمن خلال خوضه ( ربما في أحلامه ) للعديد من الحروب والمعارك .
- الإدعـاء بأن غالبيـة الشعب السوري لا تزال تؤيد النظام ورئيسه ، ومحاولة إثبات ذلك بالإعتمــــاد على مظاهرات معلبة  تساق إليها الجماهير سوق النعام . وببث صور مقززة للنفس ، مثيرة للمشاعــــر   يظهر فيها زعران النظام وهم يرددون شعار تأليه المجرم السفاح والسجود على صورته القميئــة .   ويظهر أن النظام يتجاهل حقيقة يعرفها العالم بأسره ، وهي أن الحشود الجماهيرية التي يسوقها أي   نظام ديكتاتوري شمولي بالإكراه ليس لها أي دلالة فعلية ، وعلى العكس فهي إدانة للنظام نفســـه ،   والأمثلـة على ذلك كثيرة لا تعد ولا تحصى .
5- وماذا بعــد : رغم كل الوسائل المقرفـة المضللة التي إتبعهـا إعلام النظـام المجرم ، ورغـم كــــل الكذب والإفتراء ، ورغم كل الفبركة والإختلاق ، عجزت الأبواق المأجورة من زعران النظـام عــن الإجابة على العديد من الأسئلة الحيوية  ، سأختار منها إثنين :
أولا : إذا كان الجيش قد دخــل حمـاة بنــاء على طلب ومناشدة أهاليهــــا لتخليصهم من ترويـــع العصابات المسلحة الموهومــة ، فلماذا بقيت ساحــة العاصي في وسـط المدينـــة تمتليء بنصف
مليون ثائر ، ولعشرة أيام كاملة دون أن تطلق فيها طلقة واحدة ، ولم يصب خلالها مواطن واحد بخدش بسيط ؟ وأين كانت تلك العصابات المسلحة التي روعت المواطنين ؟ ولماذا في يوم واحد من دخول الجيش ( المنقذ ) سقط أكثر من مائة قتيل ؟
ثانيا : إذا كانت العصابات المسلحة المعارضة للنظام ( المقـاوم والممانع ) تستهدفــه بعملياتهـــا فلمــاذا لم تتعرض لتلك  المظاهرات المعلبة المؤيدة للنظام ولو برمي بحصة عليها ؟ في الوقـت  الذي تزرع فيه الموت والخراب في صفوف المتظاهرين  المعارضين للنظام أيضا !!         
      وهناك فوق كل هذا التضليل الإعلامي ، ذلك التشدق الأجوف بالإصلاحات الموهومة وهو ما سيكون مضمون المقال الثالث القادم في سلسلة المقالات هذه التي نبحث فيها سياسة النظــــام  السوري المجرم في مواجهة الثورة المباركة .


في 26/9/2011                                         العميد الركن المتقاعد عقيل هاشم

No comments: