Tuesday 13 September 2011

النظـــام الســوري والعلاقـات الدوليــــة : لقسم الثاني


القسم الثاني : إيران مرة أخرى



               شاهدت قبل أيــام حلقــة من برنامج قناة الجزيرة " حديث الثورة " وكــان قسم كبيـــر منهـــــا مخصص للحديث عن العلاقات بين النظامين السوري والإيراني . وحتى لا أتهم بالتحيز للمعارضة ، أبــدأ بالتعرض لما قاله المعارض البارز السيد هيثم المالح عن وجود حملة تشييع صفوية تقوم بها المؤسســــات  الإيرانية الدينية في سورية مبينا إستغرابي الشديد لأقواله في هذا الصدد فقط ، مع تأييدي لكل ما قاله عــدا ذلك . وحتى لو كان هذا صحيحا ( وهناك بعض المؤشرات على وجود شيء من هذا القبيل ) فليس الوقــت ولا المكان كانا مناسبين لمثل هذا الحديث . والضرر كبير من مثل هذه المعالجة ، وهذا ما تلقفه المحـاوران المعبران عن وجهة النظر الإيرانية في تلك الحلقة فإتهما السيد المالح ، وتاليا ثوار سورية ، بالطائفية .
               إن الثورة السورية هي ثورة الشعب السوري بكل مكوناتــه وطوائفــه ضد النظــام المجرم بكل مكوناته وطوائفه . وبالأساس فإن النظــام المجرم لا يؤمن بأي عقيـدة دينيــة أو مذهب سوى الإجــــــــرام والقتـــــل واللصوصية والفساد . وحملة التشييع هــذه ، إن وجدت ، فهي لا تحظى بأي تجــاوب كمـــي أو نوعـي . وليس لها أي دلالة أو قيمة عملية بالنسبة لمصالح إيران الإستراتيجية في المنطقة . ولم يكن السيد المالح موفقـا في إتباع هذا النهج الذي يعزز الإتهامات المغرضة بأن الثـورة في سورية هي ثورة طائفــــة معينــة بالذات ، أو موجهة ضد طائفة معينة بالذات .
               وأريد أن أوضح هنا ، بهذه المناسبة وبشكل قاطـع ، أنه لا يوجـد أدنى مستوى من التقــارب أو التماثل أو التوافق المذهبي العقيدي بين الشيعة والعلويين . والعلاقة بين إيران والنظام السوري لا تدور أبدا في هذا الفلك ، وإنما ، كما هو مفترض ، في أطار المصالح الإستراتيجية المتبادلة .
              يحقـق النظــام السوري لإيران فوائـد حيويـة على أصعــدة مختلفة . فهو ، أولا وقبل كل شيء ، مجـال حيوي  لنفوذهـــا الإقليمي على المستوى السياسي . وهـذا لا يحتاج لشرح أو تأكيــد فكل دول العــالم  تحاول توسيع مناطق نفوذها السياسية . حتى إن الدول الكبرى ، كالولايات المتحدة مثلاَ ، تسعى لأن يشمل نفوذها كل بقاع الكرة الأرضية ، بإعتبار " أنه لا توجد بقعة في العالم لا توجد فيها مصالح حيوية لأمريكا" كما قال وزير دفاعها الأسبق " روبرت مكنمارا " في ستينات القرن الماضي .
              لكن الأهم من النفوذ السياسي لإيران يتمثل في الفــوائد الإسترتيجيـة – العسكريــة التي تحصــل عليها من التحالف مع النظام السوري المجرم . إن إيران مهددة - بسبب برنامجها النووي - بضربة جويــة صاروخية شاملة من قبــل التحالف الغربي و/ أو إسرائيل . والأرض السوريــة تعتبر بمثـابة خط الدفــــاع الأمـامي لإيران في مواجهة مثل هذه الضربـة . وقـد لوحـظ في الأعوام الأخيرة تمركز قواعــد صواريــخ إيرانية أرض – أرض متوسطة المدى في سورية ( لا يمكن لهذه الصواريخ أن تطال إسرائيل لو توضعت ضمن حدود إيران ) . وكذلك قواعد صواريخ أرض – جو مضادة للطائرات .
            بالمقابـل تحصل سوريـة على بعض الفوائـد من خلال إشتراك الخبـراء الإيرانيــون في صيانــــة وتطويرألأسلحة والمعدات الحربية السورية ، وتنفيذ المناورات العسكرية المشتركة ، وتدريب الطيـــــارين في المعاهد الإيرانية ، بالإضافة للقروض والهبات النقديــة التي تستخدم لتعزيز تسليح الجيش السوري حتى يقوم بواجبه المقدس في قتل أبناء الشعب السوري بأفضل وتيرة ممكنة .
            وقد تضاعفت إحتياجات النظام السوري للمساعدة الإيرانية ، في المجال العسكري ، بعـد إنهيـــار الإتحاد السوفييتي الذي كان دعمه لسورية في كل المجالات ، وخاصة في المجال العسكري – الإستراتيجي على أعلى مستوى . كان الجيش السوري يحصل على السلاح الروسي بأرخص الأسعار وبالتقسيط المريـح جدا ، وكان إستحقاق دفع أول قسط يبدأ بعد عشرة سنوات ، وأحيانا بعد عشرين ، من تاريخ إستلام صفقــة الأسلحة . وكانت الدفع يتم بالمقايضة عن طريق تصدير البضائع السورية المرغوبة في روسيا  كالأقمشــة القطنية والسجائر وغيرها من المنتجات. وقد تلاشت كل هــذه الإمتيازات والتسهيلات بعــد سقوط الإتحــاد السوفييتي . وأصبح لزاما على الجيش السوري أن يدفع ثمن السلاح الروسي مقدما وبالسعر الكامل وبالنقد الأجنبي . لذلك أصبحت الحاجة ماسة للتحول نحو إيران ، كبديل جزئي قدر الإمكان ، للتعويض .
           يبقى موضوع حزب الله العامل الأكثر أهمية في العلاقات السورية - الإيرانية حيث تشكل الأرض السورية صلة الوصل الجغرافية بين إيران والحزب ، وشريان الحياة أو رئة التنفس له . ولا يمكن تصــور مدى الأهمية الحيوية السياسية والعسكرية من وجود حزب الله في لبنان بالنسبة لإيران . فهو إمتداد سياسي أثمر ، أخيرا ، عن تحويل لبنان إلى منطقة نفوذ إيرانية لتتكامل وتتواصل هذه المنطقة جغرافيا من إيــــران مرورا بالعراق وسورية وإنتهاءا بلبنان . وهو ( أي حزب الله ) قاعدة عسكرية متقدمة ، وذراع عسكــــري متطاول لإيران متوضع على تخوم بؤرة ومركز الصراع في منطقة الشرق الأوسط .
           لكن على الحزب ( وتاليا إيران ) أن يدفع الفاتورة للنظام السوري ثمنا للخدمات والإمتيازات التي تقدمها له الجغرافيا السورية ( وليس التي يقدمها له النظام السوري المجرم ) . وهكذا تحول الحزب بآلتـــه العسكرية نحو الداخل اللبناني ، وفرض إنقلابا سياسيا أنتج حكومة تابعة كل مهمتها عرقلة جهود المحكمــة الدولية الخاصة بإغتيال الحريري . تلك المحكمة التي تمثل سيفـا مسلطا على رقبـة النظام السوري . كمـــا أجبرشيخ الحزب ( خلافا لقناعاته حسب رأيي ) على رفع عقيرته صراخا في الدفاع عن النظــــام المجرم ( المقاوم والممانع !!! ) وفي كيل الإتهامات البذيئة للثورة السورية .
          لكن إستمرار الثورة المجيدة وتزايد توهجهــا ، و تصاعد أعـداد الشهداء الأبرار ، مقابل تواصـــل الحملة الوحشية البربرية التي يشنها النظام المجرم الفاسد على الشعب الأعزل ، دفع بإيران ، وتاليــــا شيخ حزب الله ، لتخفيف اللهجة ، ليس تعاطفا مع الشعب الثائر ، ولا إستنكارا لعمليات القمع والترويع . وإنمـــا للإستهلاك الداخلي ، ورغبة في إنقــاذ النظـام المجـرم من عا قبته الوبيلة المؤكــدة من جهة ، ومن منطـلق البحث في خطوط الرجعة من جهة أخرى .             
          فهل يمكن ، بعد هذا الإستعراض ، أن يخطر في بال أحد أن يفكر في أن هناك تغييرا جوهريــا في موقف السلطة الإيرانية ، وتاليا حزب الله – بإعتباره تابعا لها – تجاه الثورة السورية المجيدة ؟ إن العلاقـة المصلحية النفعية الإنتهازية ، البعيدة كليا عن معايير الشرف والقيم والأخلاق ، القائمة بين النظام المجـرم  وكل من إيران ودميتها حزب الله لاتزال على ماهي عليه من قوة ومتانة ، ولن يطرأ عليها أي تبديل فعلـي إلا فرضا وإجبارا بسواعد ثوار سورية الأبطال ، عندما ستشتعل سورية من أقصاها إلى أقصاها  ويتهاوى النظام المجرم البربري تحت ضربات الرجال الصناديد ، بسواعدهم المفتولة ، وهاماتهم المرفوعة وأرواح الشهداء الأبرار ترفرف فوقهم وتظللهم .
          حينئذ سنقول للمتراجعين عن دعم النظام : " لات حين مندم " .


في 12/9/2011                                                          العميد الركن المتقاعد عقيل هاشم